فصل: فصل: إذا قال‏:‏ أنت طالق إذا رأيت هلال رمضان طلقت برؤية الناس له في أول الشهر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

وإن قال‏:‏ أنت علي حرام أعني به الطلاق فهو طلاق رواه الجماعة عن أحمد وروي عنه أبو عبد الله النيسابوري أنه قال‏:‏ إذا قال‏:‏ أنت علي حرام أريد به الطلاق كنت أقول‏:‏ إنها طالق‏,‏ يكفر كفارة الظهار وهذا كأنه رجوع عن قوله‏:‏ إنه طلاق ووجهه أنه صريح في الظهار فلم يصر طلاقا بقوله‏:‏ أريد به الطلاق كما لو قال‏:‏ أنت علي كظهر أمي أعني به الطلاق قال القاضي‏:‏ ولكن جماعة أصحابنا على أنه طلاق وهي الرواية المشهورة التي رواها عنه الجماعة لأنه صرح بلفظ الطلاق‏,‏ فكان طلاقا كما لو ضربها وقال‏:‏ هذا طلاقك وليس هذا صريحا في الظهار‏,‏ إنما هو صريح في التحريم والتحريم يتنوع إلى تحريم بالظهار وإلى تحريم بالطلاق‏,‏ فإذا بين بلفظه إرادة تحريم الطلاق وجب صرفه إليه وفارق قوله‏:‏ أنت علي كظهر أمي فإنه صريح في الظهار‏,‏ وهو تحريم لا يرتفع إلا بالكفارة فلم يمكن جعل ذلك طلاقا بخلاف مسألتنا ثم إن قال‏:‏ أعني به الطلاق أو نوى به ثلاثا‏,‏ فهي ثلاث نص عليه أحمد لأنه أتى بالألف واللام التي للاستغراق تفسيرا للتحريم فيدخل فيه الطلاق كله‏,‏ وإذا نوى الثلاث فقد نوى بلفظه ما يحتمله من الطلاق فوقع كما لو قال‏:‏ أنت بائن وعنه‏:‏ لا يكون ثلاثا حتى ينويها‏,‏ سواء كانت فيه الألف واللام أو لم تكن لأن الألف واللام تكون لغير الاستغراق في أكثر أسماء الأجناس وإن قال‏:‏ أعني به طلاقا فهو واحدة لأنه ذكره منكرا فيكون طلاقا واحدا نص عليه أحمد وقال في رواية حنبل إذا قال‏:‏ أعني طلاقا فهي واحدة أو اثنتان‏,‏ إذا لم تكن فيه ألف ولام‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أنت علي كظهر أمي ونوى به الطلاق لم يكن طلاقا لأنه صريح في الظهار فلم يصلح كناية في الطلاق‏,‏ كما لا يكون الطلاق كناية في الظهار ولأن الظهار تشبيه بمن هي محرمة على التأبيد والطلاق يفيد تحريما غير مؤبد‏,‏ فلم تصلح الكناية بأحدهما عن الآخر ولو صرح به فقال‏:‏ أعني به الطلاق لم يصر طلاقا لأنه لا يصلح الكناية به عنه‏.‏

فصل‏:‏

وإن قال‏:‏ أنت علي كالميتة والدم ونوى به الطلاق كان طلاقا لأنه يصلح أن يكون كناية فيه فإذا اقترنت به النية وقع به الطلاق‏,‏ ويقع به من عدد الطلاق ما نواه فإن لم ينو شيئا وقعت واحدة لأنه من الكنايات الخفية وهذا حكمها وإن نوى به الظهار‏,‏ وهو أن يقصد تحريمها عليه مع بقاء نكاحها احتمل أن يكون ظهارا كما قلنا في قوله‏:‏ أنت علي حرام واحتمل أن لا يكون ظهارا‏,‏ كما لو قال‏:‏ أنت علي كظهر البهيمة أو كظهر أمي وإن نوى اليمين وهو أن يريد بذلك ترك وطئها‏,‏ لا تحريمها ولا طلاقها فهو يمين وإن لم ينو شيئا‏,‏ لم يكن طلاقا لأنه ليس بصريح في الطلاق ولا نواه به وهل يكون ظهارا أو يمينا‏؟‏ على وجهين أحدهما يكون ظهارا لأن معناه أنت حرام علي كالميتة والدم‏,‏ فإن تشبيهها بهما يقتضي التشبيه بهما في الأمر الذي اشتهرا به وهو التحريم لقول الله تعالى فيها‏:‏ ‏{‏حرمت عليكم الميتة والدم‏}‏ والثاني يكون يمينا لأن الأصل براءة الذمة‏,‏ فإذا أتى بلفظ محتمل ثبت به أقل الحكمين لأنه اليقين وما زاد مشكوك فيه‏,‏ فلا نثبته بالشك ولا نزول عن الأصل إلا بيقين وعند الشافعي هو كقوله‏:‏ أنت علي حرام سواء‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا طلقها بلسانه‏,‏ واستثنى شيئا بقلبه وقع الطلاق ولم ينفعه الاستثناء‏]‏

وجملة ذلك أن ما يتصل باللفظ من قرينة‏,‏ أو استثناء على ثلاثة أضرب أحدها ما لا يصح نطقا ولا نية‏,‏ وذلك نوعان أحدهما ما يرفع حكم اللفظ كله مثل أن يقول‏:‏ أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا أو‏:‏ أنت طالق طلقة لا تلزمك أو‏:‏ لا تقع عليك فهذا لا يصح بلفظه ولا بنيته لأنه يرفع حكم اللفظ كله‏,‏ فيصير الجميع لغوا فلا يصح هذا في اللغة بالاتفاق وإذا كان كذلك سقط الاستثناء والصفة‏,‏ ووقع الطلاق الضرب الثاني ما يقبل لفظا ولا يقبل نية‏,‏ لا في الحكم ولا فيما بينه وبين الله تعالى وهو استثناء الأقل فهذا يصح لفظا لأنه من لسان العرب‏,‏ ولا يصح بالنية مثل أن يقول‏:‏ أنت طالق ثلاثا ويستثنى بقلبه‏:‏ إلا واحدة أو أكثر فهذا لا يصح لأن العدد نص فيما تناوله لا يحتمل غيره‏,‏ فلا يرتفع بالنية ما ثبت بنص اللفظ فإن اللفظ أقوى من النية ولو نوى بالثلاث اثنتين‏,‏ كان مستعملا للفظ في غير ما يصلح له فوقع مقتضى اللفظ ولغت نيته وحكي عنبعض الشافعية أنه يقبل فيما بينه وبين الله تعالى‏,‏ كما لو قال‏:‏ نسائي طوالق واستثنى بقلبه‏:‏ إلا فلانة والفرق بينهما أن نسائي اسم عام يجوز التعبير به عن بعض ما وضع له وقد استعمل العموم بإزاء الخصوص كثيرا فإذا أراد به البعض صح‏,‏ وقوله‏:‏ ثلاثا اسم عدد للثلاث لا يجوز التعبير به عن عدد غيرها ولا يحتمل سواها بوجه‏,‏ فإذا أراد بذلك اثنتين فقد أراد باللفظ مالا يحتمله وإنما تعمل النية في صرف اللفظ المحتمل إلى أحد محتملاته‏,‏ فأما ما لا يحتمل فلا فإنا لو عملنا به فيما لا يحتمل كان عملا بمجرد النية‏,‏ ومجرد النية لا تعمل في نكاح ولا طلاق ولا بيع ولو قال‏:‏ نسائي الأربع طوالق أو قال لهن‏:‏ أربعتكن طوالق واستثنى بعضهن بالنية‏,‏ لم يقبل على قياس ما ذكرناه ولا يدين فيه لأنه عني باللفظ ما لا يحتمل الضرب الثالث‏,‏ ما يصح نطقا وإذا نواه دين فيما بينه وبين الله تعالى وذلك مثل تخصيص اللفظ العام‏,‏ أو استعمال اللفظ في مجازه مثل قوله‏:‏ نسائي طوالق يريد بعضهن أو ينوي بقوله‏:‏ طوالق أي من وثاق‏,‏ فهذا يقبل إذا كان لفظا وجها واحدا لأنه وصل كلامه بما بين مراده وإن كان بنيته قبل فيما بينه وبين الله تعالى لأنه أراد تخصيص اللفظ العام‏,‏ واستعماله في الخصوص وهذا سائغ في اللغة شائع في الكلام‏,‏ فلا يمنع من استعماله والتكلم به ويكون اللفظ بنيته منصرفا إلى ما أراده دون ما لم يرده وهل يقبل ذلك في الحكم‏؟‏ يخرج على روايتين‏:‏ إحداهما‏,‏ يقبل لأنه فسر كلامه بما يحتمله فصح كما لو قال‏:‏ أنت طالق‏,‏ أنت طالق وأراد بالثانية إفهامها والثانية لا يقبل لأنه خلاف الظاهر وهو مذهب الشافعي ومن شرط هذا أن تكون النية مقارنة للفظ وهو أن يقول‏:‏ نسائي طوالق يقصد بهذا اللفظ بعضهن‏,‏ فأما إن كانت النية متأخرة عن اللفظ فقال‏:‏ نسائي طوالق ثم بعد فراغه نوى بقلبه بعضهن لم تنفعه النية‏,‏ ووقع الطلاق بجميعهن وكذلك لو طلق نساءه ونوى بعد طلاقهن أي من وثاق‏,‏ لزمه الطلاق لأنه مقتضى اللفظ والنية الأخيرة نية مجردة لا لفظ معها‏,‏ فلا تعمل ومن هذا الضرب تخصيص حال دون حال مثل أن يقول‏:‏ أنت طالق ثم يصله بشرط أو صفة مثل قوله‏:‏ إن دخلت الدار‏,‏ أو بعد شهر أو قال‏:‏ إن دخلت الدار بعد شهر فهذا يصح إذا كان نطقا بغير خلاف وإن نواه‏,‏ ولم يلفظ به دين وهل يقبل في الحكم‏؟‏ على روايتين قال في رواية إسحاق بن إبراهيم في من حلف لا تدخل الدار وقال‏:‏ نويت شهرا يقبل منه أو قال‏:‏ إذا دخلت دار فلان فأنت طالق ونوى تلك الساعة‏,‏ وذلك اليوم قبلت نيته والرواية الأخرى لا تقبل فإنه قال‏:‏ إذا قال لامرأته‏:‏ أنت طالق ونوى في نفسه إلى سنة تطلق ليس ينظر إلى نيته وقال‏:‏ إذا قال‏:‏ أنت طالق وقال‏:‏ نويت إن دخلت الدار لا يصدق ويمكن الجمع بين هاتين الروايتين‏,‏ بأن يحمل قوله في القبول على أنه يدين فيما بينه وبين الله تعالى وقوله في عدم القبول‏,‏ على الحكم فلا يكون بينهما اختلاف والفرق بين هذه الصورة والتي قبلها أن إرادة الخاص بالعام شائع كثير‏,‏ وإرادة الشرط من غير ذكره غير سائغ فهو قريب من الاستثناء ويمكن أن يقال‏:‏ هذا كله من جملة التخصيص‏.‏

فصل‏:‏

وإذا قالت له امرأة من نسائه‏:‏ طلقني فقال‏:‏ نسائي طوالق ولا نية له طلقن كلهن بغير خلاف لأن لفظه عام إن قالت له‏:‏ طلق نساءك فقال‏:‏ نسائي طوالق فكذلك وحكي عنمالك‏,‏ أن السائلة لا تطلق في هذه الصورة لأن الخطاب العام يقصر على سببه الخاص وسببه سؤال طلاق من سواها ولنا أن اللفظ عام فيها‏,‏ ولم يرد به غير مقتضاه فوجب العمل بعمومه كالصورة الأولى‏,‏ والعمل بعموم اللفظ أولى من خصوص السبب لأن دليل الحكم هو اللفظ فيجب اتباعه والعمل بمقتضاه في خصوصه وعمومه‏,‏ ولذلك لو كان أخص من السبب لوجب قصره على خصوصه واتباع صفة اللفظ دون صفة السبب‏,‏ فإن أخرج السائلة بنيته دين فيما بينه وبين الله تعالى في الصورتين وقبل في الحكم في الصورة الثانية لأن خصوص السبب دليل على نيته‏,‏ ولم يقبل في الصورة الأولى قاله ابن حامد لأن طلاقه جواب لسؤالها الطلاق لنفسها فلا يصدق في صرفه عنها لأنه يخالف الظاهر من وجهين ولأنها سبب الطلاق وسبب الحكم لا يجوز إخراجه من العموم بالتخصيص وقال القاضي‏:‏ يحتمل أن لا تطلق لأن لفظه عام‏,‏ والعام يحتمل التخصيص‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق إن دخلت الدار ثم قال‏:‏ إنما أردت الطلاق في الحال لكن سبق لساني إلى الشرط طلقت في الحال لأنه أقر على نفسه بما يوجب الطلاق فلزمه‏,‏ كما لو قال‏:‏ قد طلقتها فإن قال بعد ذلك‏:‏ كذبت وإنما أردت طلاقها عند الشرط دين في ذلك ولم يقبل في الحكم لأنه رجوع عما أقر به‏.‏

فصل‏:‏

وقول الخرقي‏:‏ واستثنى شيئا بقلبه يدل بمفهومه على أنه إذا استثنى بلسانه صح‏,‏ ولم يقع ما استثناه وهو قول جماعة أهل العلم قال ابن المنذر‏:‏ أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا قال لامرأته‏:‏ أنت طالق ثلاثا إلا واحدة أنها تطلق طلقتين منهم الثوري والشافعي‏,‏ وأصحاب الرأي وحكي عنأبي بكر أن الاستثناء لا يؤثر في عدد الطلقات ويجوز في المطلقات فلو قال‏:‏ أنت طالق ثلاثا إلا واحدة وقع الثلاث ولو قال نسائي طوالق إلا فلانة لم تطلق لأن الطلاق لا يمكن رفعه بعد إيقاعه‏,‏ والاستثناء يرفعه لو صح وما ذكره من التعليل باطل بما سلمه من الاستثناء في المطلقات وليس الاستثناء رفعا لما وقع إذ لو كان كذلك‏,‏ لما صح في المطلقات ولا الإعتاق ولا في الإقرار‏,‏ ولا الإخبار وإنما هو مبين أن المستثنى غير مراد بالكلام فهو يمنع أن يدخل فيه ما لولاه لدخل‏,‏ فقوله‏:‏ ‏{‏فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما‏}‏ عبارة عن تسعمائة وخمسين وقوله‏:‏ ‏{‏إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني‏}‏ تبرؤ من غير الله فكذلك قوله‏:‏ أنت طالق ثلاثا إلا واحدة عبارة عن اثنتين لا غير وحرف الاستثناء المستولي عليه إلا‏,‏ ويشبه به أسماء وأفعال وحروف فالأسماء غير وسوى والأفعال ليس ولا يكون وعدا والحروف حاشا وخلا‏,‏ فبأي كلمة استثنى بها صح الاستثناء‏.‏

فصل‏:‏

ولا يصح استثناء الأكثر نص عليه أحمد فلو قال‏:‏ أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين وقع ثلاث والأكثرون على أن ذلك جائز وقد ذكرناه في الإقرار وذكرنا أن أهل العربية إنما أجازوه في القليل من الكثير وحكينا ذلك عن جماعة من أئمة أهل اللغة فإذا قال‏:‏ أنت طالق ثلاثا إلا واحدة وقع اثنتان وإن قال‏:‏ إلا اثنتين وقع ثلاث وإن قال‏:‏ طلقتين إلا طلقة ففيه وجهان أحدهما يقع طلقة والثاني‏,‏ طلقتان بناء على استثناء النصف هل يصح أو لا‏؟‏ على وجهين وإن قال‏:‏ أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا وقع ثلاث بغير خلاف لأن الاستثناء لرفع بعض المستثنى منه فلا يصح أن يرفع جميعه وإن قال‏:‏ أنت طالق خمسا إلا ثلاثا وقع ثلاث لأن الاستثناء إن عاد إلى الخمس‏,‏ فقد استثنى الأكثر وإن عاد إلى الثلاث التي يملكها فقد رفع جميعها وكلاهما لا يصح وإن قال‏:‏ خمسا إلا طلقة ففيه وجهان أحدهما‏,‏ يقع ثلاث لأن الكلام مع الاستثناء كأنه نطق بما عدا المستثنى فكأنه قال‏:‏ أنت طالق أربعا والثاني يقع اثنتان ذكره القاضي لأن الاستثناء يرجع إلى ما ملكه من الطلقات‏,‏ وهي الثلاث وما زاد عليها يلغو وقد استثنى واحدة من الثلاث‏,‏ فيصح ويقع طلقتان وإن قال‏:‏ أنت طالق أربعا إلا اثنتين فعلى الوجه الأول‏,‏ يصح الاستثناء ويقع اثنتان وعلى قول القاضي‏,‏ ينبغي أن لا يصح الاستثناء ويقع ثلاث لأن الاستثناء يرجع إلى الثلاث فيكون استثناء الأكثر‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق اثنتين وواحدة إلا واحدة ففيه وجهان أحدهما‏,‏ لا يصح الاستثناء لأن الاستثناء يرفع الجملة الأخيرة بكمالها من غير زيادة عليها فيصير ذكرها واستثناؤها لغوا وكل استثناء أفضى تصحيحه إلى الغاية وإلغاء المستثنى منه بطل‏,‏ كاستثناء الجميع ولأن إلغاءه وحده أولى من إلغائه مع إلغاء غيره ولأن الاستثناء يعود إلى الجملة الأخيرة في أحد الوجهين‏,‏ فيكون استثناء للجميع والوجه الثاني يصح الاستثناء ويقع طلقتان لأن العطف بالواو يجعل الجملتين كالجملة الواحدة‏,‏ فيصير مستثنيا لواحدة من ثلاث ولذلك لو قال له‏:‏ على مائة وعشرون درهما إلا خمسين صح والأول أصح وهو مذهب أبي حنيفة‏,‏ والشافعي وإن قال‏:‏ أنت طالق واحدة واثنتين إلا واحدة فعلى الوجه الثاني يصح الاستثناء وعلى الوجه الأول‏,‏ يخرج في صحته وجهان بناء على استثناء النصف وإن قال‏:‏ أنت طالق وطالق إلا طلقة أو قال‏:‏ طالق طلقتين ونصفا إلا طلقة فالحكم في ذلك كالحكم في المسألة الأولى سواء وإن كان العطف بغير واو‏,‏ كقوله‏:‏ أنت طالق فطالق فطالق أو طالق ثم طالق ثم طالق إلا طلقة لم يصح الاستثناء لأن هذا حرف يقتضي الترتيب وكون الطلقة الأخيرة مفردة عما قبلها‏,‏ فيعود الاستثناء إليها وحدها فلا يصح وإن قال‏:‏ أنت طالق اثنتين واثنتين إلا اثنتين لم يصح الاستثناء لأنه إن عاد إلى الجملة التي تليه فهو رفع لجميعها وإن عاد إلى الثلاث التي يملكها‏,‏ فهو رفع لأكثرها وكلاهما لا يصح ويحتمل أن يصح بناء على أن العطف بالواو يجعل الجملتين جملة واحدة وأن استثناء النصف يصح‏,‏ فكأنه قال‏:‏ أربعا إلا اثنتين وإن قال‏:‏ أنت طالق اثنتين واثنتين إلا واحدة احتمل أن يصح لأنه استثنى واحدة من ثلاث واحتمل أن لا يصح لأنه إن عاد إلى الرابعة فقد بقي بعدها ثلاث وإن عاد إلى الواحدة الباقية من الاثنتين‏,‏ فهو استثناء الجميع‏.‏

فصل‏:‏

وإن قال‏:‏ أنت طالق ثلاثا إلا طلقة وطلقة وطلقة ففيه وجهان أحدهما يلغو الاستثناء ويقع ثلاث لأن العطف يوجب اشتراك المعطوف مع المعطوف عليه‏,‏ فيصير مستثنيا لثلاث من ثلاث وهذا وجه لأصحاب الشافعي وقول أبي حنيفة والثاني يصح الاستثناء في طلقة لأن الاستثناء الأقل جائز‏,‏ وإنما لا يصح استثناء الثانية والثالثة فيلغو وحده وقال أبو يوسف ومحمد‏:‏ يصح استثناء اثنتين ويلغو في الثالثة بناء على أصلهم في أن استثناء الأكثر جائز وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي وإن قال‏:‏ أنت طالق طلقتين إلا طلقة وطلقة ففيه الوجهان وإن قال‏:‏ أنت طالق ثلاثا إلا طلقة ونصفا احتمل وجهين أيضا أحدهما‏,‏ يلغو الاستثناء لأن النصف يكمل فيكون مستثنيا للأكثر فيلغو والثاني‏,‏ يصح في طلقة فتقع طلقتان لما ذكرنا في التي قبلها فإن قال‏:‏ أنت طالق ثلاثا إلا واحدة وإلا واحدة كان عاطفا الاستثناء على استثناء فيصح الأول‏,‏ ويلغو الثاني لأننا لو صححناه لكان مستثنيا للأكثر فيقع به طلقتان ويجيء على قول من أجاز استثناء الأكثر أن يصح فيهما‏,‏ فتقع طلقة واحدة وإن قال‏:‏ أنت طالق ثلاثا إلا واحدة إلا واحدة كان مستثنيا من الواحدة المستثناة واحدة فيحتمل أن يلغو الاستثناء الثاني‏,‏ ويصح الأول فيقع به طلقتان ويحتمل أن يقع به الثلاث لأن الاستثناء الثاني معناه إثبات طلقة في حقها لكون الاستثناء من النفي إثباتا فيقبل ذلك في إيقاع طلاقه‏,‏ وإن لم يقبل في نفيه كما لو قال‏:‏ أنت طالق طلقتين ونصفا وقع به ثلاث ولو قال‏:‏ أنت طالق ثلاثا إلا نصف طلقة وقع به ثلاث فكمل النصف في الإثبات‏,‏ ولم يكمل في النفي‏.‏

فصل‏:‏

ويصح الاستثناء من الاستثناء ولا يصح منه في الطلاق إلا مسألة واحدة على اختلاف فيها وهي قوله‏:‏ أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة فإنه يصح إذا أجزنا استثناء النصف‏,‏ فيقع به طلقتان فإن قيل‏:‏ فكيف أجزتم استثناء الاثنتين من الثلاث وهي أكثرها‏؟‏ قلنا‏:‏ لأنه لم يسكت عليهما بل وصلهما بأن استثنى منها طلقة‏,‏ فصار عبارة عن واحدة وإن قال‏:‏ أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا اثنتين لم يصح لأن استثناء الاثنتين من الثلاث لا يصح لأنهما أكثرها واستثناء الثلاث من الثلاث لا يصح لأنها جميعها وإن قال‏:‏ ثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة لم يصح ووقع ثلاث لأنه إذا استثنى واحدة من ثلاث‏,‏ بقي اثنتان لا يصح استثناؤهما من الثلاث الأولى فيقع الثلاث وذكر أبو الخطاب فيها وجها آخر‏,‏ أنه يصح لأن الاستثناء الأول يلغو لكونه استثناء الجميع فيرجع قوله‏:‏ إلا واحدة إلى الثلاث المثبتة فيقع منها طلقتان والأول أولى لأن الاستثناء من الإثبات نفي‏,‏ ومن النفي إثبات فإذا استثنى من الثلاث المنفية طلقة كان مثبتا لها‏,‏ فلا يجوز جعلها من الثلاث المثبتة لأنه يكون إثباتا من إثبات ولا يصح الاستثناء في جميع ذلك إلا متصلا بالكلام وقد ذكر في الإقرار والله أعلم‏.‏

فصل‏:‏

وإذا أوقع الطلاق في زمن أو علقه بصفة‏,‏ تعلق بها ولم يقع حتى تأتي الصفة والزمن وهذا قول ابن عباس وعطاء‏,‏ وجابر بن زيد والنخعي وأبي هاشم‏,‏ والثوري والشافعي وإسحاق‏,‏ وأبي عبيد وأصحاب الرأي وقال سعيد بن المسيب والحسن‏,‏ والزهري وقتادة ويحيى الأنصاري‏,‏ وربيعة ومالك‏:‏ إذا علق الطلاق بصفة تأتي لا محالة‏,‏ كقوله‏:‏ أنت طالق إذا طلعت الشمس أو دخل رمضان طلقت في الحال لأن النكاح لا يكون مؤقتا بزمان ولذلك لا يجوز أن يتزوجها شهرا ولنا‏,‏ أن ابن عباس كان يقول في الرجل يقول لامرأته‏:‏ أنت طالق إلى رأس السنة قال‏:‏ يطأ فيما بينه وبين رأس السنة ولأنه إزالة ملك يصح تعليقه بالصفات فمتى علقه بصفة لم يقع قبلها‏,‏ كالعتق فإنهم سلموه وقد احتج أحمد بقول أبي ذر‏:‏ إن لي إبلا يرعاها عبد لي وهو عتيق إلى الحول ولأنه تعليق للطلاق بصفة لم توجد‏,‏ فلم يقع كما لو قال‏:‏ أنت طالق إذا قدم الحاج وليس هذا توقيتا للنكاح وإنما هو توقيت للطلاق وهذا لا يمنع‏,‏ كما أن النكاح لا يجوز أن يكون معلقا بشرط والطلاق يجوز فيه التعليق‏.‏

فصل‏:‏

ولو قال‏:‏ أنت طالق إلى شهر كذا أو سنة كذا فهو كما لو قال‏:‏ في شهر كذا أو سنة كذا ولا يقع الطلاق إلا في أول ذلك الوقت‏,‏ وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ يقع في الحال لأن قوله‏:‏ أنت طالق إيقاع في الحال وقوله‏:‏ إلى شهر كذا تأقيت له غاية وهو لا يقبل التأقيت‏,‏ فبطل التأقيت ووقع الطلاق ولنا قول ابن عباس وقول أبي ذر‏,‏ ولأن هذا يحتمل أن يكون توقيتا لإيقاعه كقول الرجل‏:‏ أنا خارج إلى سنة أي بعد سنة وإذا احتمل الأمرين لم يقع الطلاق بالشك وقد ترجح ما ذكرناه من وجهين أحدهما‏,‏ أنه جعل للطلاق غاية ولا غاية لآخره وإنما الغاية لأوله والثاني‏,‏ أن ما ذكرناه عمل باليقين وما ذكروه أخذ بالشك فإن قال‏:‏ أردت أنها طالق في الحال إلى سنة كذا وقع في الحال لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ ولفظه يحتمله وإن قال‏:‏ أنت طالق من اليوم إلى سنة طلقت في الحال لأن من لابتداء الغاية‏,‏ فيقتضي أن طلاقها من اليوم فإن قال‏:‏ أردت أن عقد الصفة من اليوم ووقوعه بعد سنة لم يقع إلا بعدها وإن قال‏:‏ أردت تكرير وقوع طلاقها من حين لفظت به إلى سنة طلقت من ساعتها ثلاثا‏,‏ إذا كانت مدخولا بها قال أحمد‏:‏ إذا قال لها‏:‏ أنت طالق من اليوم إلى سنة يريد التوكيد وكثرة الطلاق فتلك طالق من ساعتها‏.‏

فصل‏:‏

وإذا قال‏:‏ إذا مضت سنة فأنت طالق‏,‏ أو أنت طالق إلى سنة فإن ابتداء السنة من حين حلف إلى تمام اثني عشر شهرا بالأهلة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج‏}‏ فإن حلف في أول شهر فإذا مضى اثنا عشر شهرا وقع طلاقه وإن حلف في أثناء شهر عددت ما بقي منه‏,‏ ثم حسبت بعد بالأهلة فإذا مضت أحد عشر شهرا نظرت ما بقي من الشهر الأول فكملته ثلاثين يوما لأن الشهر اسم لما بين هلالين فإن تفرق كان ثلاثين يوما وفيه وجه آخر‏,‏ أنه تعتبر الشهور كلها بالعدد نص عليه أحمد في من نذر صيام شهرين متتابعين فاعترض الأيام قال‏:‏ يصوم ستين يوما وإن ابتدأ من شهر‏,‏ فصام شهرين فكانا ثمانية وخمسين يوما أجزأه وذلك إنه لما صام نصف شهر‏,‏ وجب تكميله من الذي يليه فكان ابتداء الثاني من نصفه أيضا فوجب أن يكمله بالعدد‏,‏ وهذا المعنى موجود في السنة ووجه الأول أنه أمكن استيفاء أحد عشر بالأهلة فوجب الاعتبار بها كما لو كانت يمينه في أول شهر‏,‏ ولا يلزم أن يتم الأول من الثاني بل يتمه من آخر الشهور وإن قال‏:‏ أردت بقولي‏:‏ سنة إذا انسلخ ذو الحجة قبل لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ وإن قال‏:‏ إذا مضت السنة فأنت طالق طلقت بانسلاخ ذي الحجة لأنه لما عرفها فاللام التعريف انصرفت إلى السنة المعروفة‏,‏ التي آخرها ذو الحجة فإن قال‏:‏ أردت بالسنة اثني عشر شهرا قبل لأن السنة اسم لها حقيقة‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق في كل سنة طلقة فهذه صفة صحيحة لأنه يملك إيقاعه في كل سنة فإذا جعل ذلك صفة‏,‏ جاز ويكون ابتداء المدة عقيب يمينه لأن كل أجل ثبت بمطلق العقد ثبت عقيبه‏,‏ كقوله‏:‏ والله لا كلمتك سنة فيقع في الحال طلقة لأنه جعل السنة ظرفا للطلاق فتقع في أول جزء منها وتقع الثانية في أول الثانية‏,‏ والثالثة في أول الثالثة إن دخلتا عليها وهي في نكاحه لكونها لم تنقض عدتها‏,‏ أو ارتجعها في عدة الطلقة الأولى وعدة الثانية أو جدد نكاحها بعد أن بانت فإن انقضت عدتها فبانت منه‏,‏ ودخلت السنة الثانية وهي بائن لم تطلق لكونها غير زوجة له فإن تزوجها في أثنائها اقتضى قول أكثر أصحابنا وقوع الطلاق عقيب تزويجه لها لأنه جزء من السنة الثانية التي جعلها ظرفا للطلاق‏,‏ ومحلا له وكان سبيله أن تقع في أولها فمنع منه كونها غير محل لطلاقه لعدم نكاحه حينئذ‏,‏ فإذا عادت الزوجية وقع في أولها وقال القاضي‏:‏ تطلق بدخول السنة الثالثة وعلى قول التميمي ومن وافقه تنحل الصفة بوجودها في حال البينونة‏,‏ فلا تعود بحال وإن لم يتزوجها حتى دخلت السنة الثالثة ثم نكحها طلقت عقيب تزويجها‏,‏ ثم طلقت الثالثة بدخول السنة الرابعة وعلى قول القاضي لا تطلق إلا بدخول الرابعة ثم تطلق الثالثة بدخول الخامسة وعلى قول التميمي‏,‏ قد انحلت الصفة واختلف في مبدإ السنة الثانية فظاهر ما ذكره القاضي أن أولها بعد انقضاء اثني عشر شهرا من حين يمينه لأنه جعل ابتداء المدة حين يمينه وكذلك قال أصحاب الشافعي وقال أبو الخطاب‏:‏ ابتداء السنة الثانية أول المحرم لأنها السنة المعروفة فإذا علق ما يتكرر على تكرر السنين‏,‏ انصرف إلى السنين المعروفة كقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام‏}‏ وإن قال‏:‏ أردت بالسنة اثني عشر شهرا قبل لأنها سنة حقيقة وإن قال‏:‏ نويت أن ابتداء السنين أول السنة الجديدة من المحرم دين قال القاضي‏:‏ ولا يقبل منه في الحكم لأنه خلاف الظاهر والأولى أن يخرج على روايتين لأنه محتمل مخالف للظاهر‏.‏

فصل‏:‏

إذا قال‏:‏ أنت طالق إذا رأيت هلال رمضان طلقت برؤية الناس له في أول الشهر وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ لا تطلق إلا أن يراه لأنه علق الطلاق برؤية نفسه فأشبه ما لو علقه على رؤية زيد ولنا‏,‏ أن الرؤية للهلال في عرف الشرع العلم به في أول الشهر بدليل قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا‏)‏ والمراد به رؤية البعض وحصول العلم‏,‏ فانصرف لفظ الحالف إلى عرف الشرع كما لو قال‏:‏ إذا صليت فأنت طالق فإنه ينصرف إلى الصلاة الشرعية لا إلى الدعاء وفارق رؤية زيد‏,‏ فإنه لم يثبت له عرف شرعي يخالف الحقيقة وكذلك لو لم يره أحد لكن ثبت الشهر بتمام العدد طلقت لأنه قد علم طلوعه بتمام العدد وإن قال‏:‏ أردت إذا رأيته بعيني قبل لأنها رؤية حقيقة وتتعلق الرؤية برؤية الهلال بعد الغروب فإن رأى قبل ذلك لم تطلق لأن هلال الشهر ما كان في أوله‏,‏ ولأننا جعلنا رؤية الهلال عبارة عن دخول أول الشهر ويحتمل أن تطلق برؤيته قبل الغروب لأنه يسمى رؤية والحكم متعلق به في الشرع فإن قال‏:‏ أردت إذا رأيته أنا بعيني فلم يره حتى أقمر لم تطلق لأنه ليس بهلال واختلف فيما يصير به قمرا‏,‏ فقيل‏:‏ بعد ثالثة وقيل‏:‏ إذا استدار وقيل‏:‏ إذا بهر ضوءه‏.‏

فصل‏:‏

قال أحمد‏:‏ إذا قال لها‏:‏ أنت طالق ليلة القدر يعتزلها إذا دخل العشر وقبل العشر أهل المدينة يرونها في السبع عشرة إلا أن المثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في العشر الأواخر إنما أمره باجتنابها في العشر لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بالتماس ليلة القدر في العشر الأواخر‏,‏ فيحتمل أن تكون أول ليلة منه ويمكن أن هذا منه على سبيل الاحتياط ولا يتحقق حنثه إلى آخر ليلة من الشهر لاحتمال أن تكون هي تلك الليلة‏.‏

فصل‏:‏

وإذا علق طلاقها على شرط مستقبل‏,‏ ثم قال‏:‏ عجلت لك تلك الطلقة لم تتعجل لأنها معلقة بزمن مستقبل فلم يكن له إلى تغييرها سبيل وإن أراد تعجيل طلاق سوى تلك الطلقة وقعت بها طلقة‏,‏ فإذا جاء الزمن الذي علق الطلاق به وهي في حباله وقع بها الطلاق المعلق‏.‏

فصل‏:‏

إذا قال‏:‏ أنت طالق غدا إذا قدم زيد‏,‏ لم تطلق حتى يقدم لأن إذا اسم زمن مستقبل فمعناه أنت طالق غدا وقت قدوم زيد وإن لم يقدم زيد في غد لم تطلق وإن قدم بعده لأنه قيد طلاقها بقدوم مقيد بصفة‏,‏ فلا تطلق حتى توجد وإن ماتت غدوة وقدم زيد بعد موتها لم تطلق لأن الوقت الذي أوقع طلاقها فيه لم يأت وهي محل للطلاق‏,‏ فلم تطلق كما لو ماتت قبل دخول ذلك اليوم وإن قال‏:‏ أنت طالق يوم يقدم زيد فقدم ليلا لم تطلق لأنه لم يوجد الشرط‏,‏ إلا أن يريد باليوم الوقت فتطلق وقت قدومه لأن الوقت يسمى يوما قال الله تعالى ‏{‏ومن يولهم يومئذ دبره‏}‏ وإن ماتت المرأة غدوة‏,‏ وقدم زيد ظهرا ففيه وجهان أحدهما نتبين أن طلاقها وقع من أول اليوم لأنه لو قال‏:‏ أنت طالق يوم الجمعة طلقت من أوله فكذا إذا قال‏:‏ أنت طالق يوم يقدم زيد فينبغي أن تطلق بطلوع فجره والثاني‏,‏ لا يقع الطلاق لأن شرطه قدوم زيد ولم يوجد إلا بعد موت المرأة فلم يقع‏,‏ بخلاف يوم الجمعة فإن شرط الطلاق مجيء يوم الجمعة وقد وجد‏,‏ وها هنا شرطان فلا يؤخذ بأحدهما والأول أولى وليس هذا شرطا‏,‏ إنما هو بيان للوقت الذي يقع فيه الطلاق معرفا بفعل يقع فيه فيقع في أوله كقوله‏:‏ أنت طالق اليوم الذي نصلي فيه الجمعة ولو قال‏:‏ أنت طالق في اليوم الذي يقدم فيه زيد فكذلك ولو مات الرجل غدوة‏,‏ ثم قدم زيد أو مات الزوجان قبل قدوم زيد كان الحكم كما لو ماتت المرأة ولو قال‏:‏ أنت طالق في شهر رمضان إن قدم زيد فقدم فيه‏,‏ خرج فيه وجهان أحدهما لا تطلق حتى يقدم زيد لأن قدومه شرط فلا يتقدمه المشروط‏,‏ بدليل ما لو قال‏:‏ أنت طالق إن قدم زيد فإنها لا تطلق قبل قدومه بالاتفاق وكما لو قال‏:‏ إذا قدم زيد والثاني أنه إن قدم زيد تبينا وقوع الطلاق من أول الشهر قياسا على المسألة التي قبل هذه‏.‏

فصل‏:‏

إذا قال‏:‏ أنت طالق اليوم وطالق غدا طلقت واحدة لأن من طلقت اليوم فهي طالق غدا وإن قال‏:‏ أردت أن تطلق اليوم‏,‏ وتطلق غدا طلقت طلقتين في اليومين وإن قال‏:‏ أردت أنها تطلق في أحد اليومين طلقت اليوم ولم تطلق غدا لأنه جعل الزمان كله ظرفا لوقوع الطلاق‏,‏ فوقع في أوله وإن قال‏:‏ أردت نصف طلقة اليوم ونصف طلقة غدا طلقت اليوم واحدة وأخرى غدا لأن النصف يكمل فيصير طلقة تامة وإن قال‏:‏ أردت نصف طلقة اليوم وباقيها غدا احتمل ذلك أيضا‏,‏ واحتمل أن لا تطلق إلا واحدة لأنه إذا قال‏:‏ نصفها كملت اليوم كلها فلم يبق لها بقية تقع غدا‏,‏ ولم يقع شيء غيرها لأنه ما أوقعه وذكر القاضي هذا الاحتمال أيضا في المسألة الأولى أيضا وهو مذهب الشافعي ذكر أصحابه فيها الوجهين‏.‏

فصل‏:‏

إذا قال‏:‏ أنت طالق أمس ولا نية له فظاهر كلام أحمد‏,‏ أن الطلاق لا يقع فروي عنه في من قال لزوجته‏:‏ أنت طالق أمس وإنما تزوجها اليوم‏:‏ ليس بشيء وهذا قول أبي بكر وقال القاضي في بعض كتبه‏:‏ يقع الطلاق وهو مذهب الشافعي لأنه وصف الطلقة بما لا تتصف به فلغت الصفة ووقع الطلاق‏,‏ كما لو قال لمن لا سنة لها ولا بدعة‏:‏ أنت طالق للسنة أو قال‏:‏ أنت طالق طلقة لا تلزمك ووجه الأول أن الطلاق رفع الاستباحة ولا يمكن رفعها في الزمن الماضي فلم يقع‏,‏ كما لو قال‏:‏ أنت طالق قبل قدوم زيد بيومين فقدم اليوم فإن أصحابنا لم يختلفوا في أن الطلاق لا يقع وهو قول أكثر أصحاب الشافعي وهذا طلاق في زمن ماض‏,‏ ولأنه علق الطلاق بمستحيل فلغا كما لو قال‏:‏ أنت طالق إن قلبت الحجر ذهبا وإن قال‏:‏ أنت طالق قبل أن أتزوجك فالحكم فيه كما لو قال‏:‏ أنت طالق أمس قال القاضي‏:‏ ورأيت بخط أبي بكر في ‏"‏ جزء مفرد ‏"‏‏,‏ أنه قال‏:‏ إذا قال‏:‏ أنت طالق قبل أن أتزوجك طلقت ولو قال‏:‏ أنت طالق أمس لم يقع لأن أمس لا يمكن وقوع الطلاق فيه وقبل تزويجها متصور الوجود فإنه يمكن أن يتزوجها ثانيا‏,‏ وهذا الوقت قبله فوقع في الحال كما لو قال‏:‏ أنت طالق قبل قدوم زيد وإن قصد بقوله‏:‏ أنت طالق أمس‏,‏ أو قبل أن أتزوجك إيقاع الطلاق في الحال مستندا إلى ذلك الزمان وقع في الحال وإن أراد الإخبار أنه كان قد طلقها هو‏,‏ أو زوج قبله في ذلك الزمان الذي ذكره وكان قد وجد ذلك‏,‏ قبل منه وإن لم يكن وجد وقع طلاقه ذكره أبو الخطاب وقال القاضي‏:‏ يقبل على ظاهر كلام أحمد لأنه فسره بما يحتمله‏,‏ ولم يشترط الوجود وإن أراد إني كنت طلقتك أمس فكذبته لزمته الطلقة وعليها العدة من يومها لأنها اعترفت أن أمس لم يكن من عدتها وإن مات ولم يبين مراده‏,‏ فعلى وجهين بناء على اختلاف القولين في المطلق إن قلنا‏:‏ لا يقع به شيء لم يلزمه ها هنا شيء وإن قلنا بوقوعه ثم وقع ها هنا‏.‏